| 
									المشروع الأميركي رسالة للمنطقة  | رجوع لو جاء سقوط صدام على يد جماعة خيرة من أبناء الشعب، تبشر بميلاد فجر عهد جديد، يسود فيه الخير والمحبة والعدالة والحرية، لكان لزاما ان يصبح ذلك اليوم يوم عيد يبتهج فيه العراقيون والأمة العربية والإسلاميةِ بيد ان سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية وحاضنة الثقافة العربية في عصرها الذهبي، وأسر صدام جاءا على يد جماعة شريرة تنذر ببروز عهد أشد بؤسا وظلامة من استبداد صدام وطغيانهِ حيث جرى ذلك على يد تحالف اليمين الأميركي والليكود الاسرائيلي المتطرفين في حقدهما وكراهيتهما للعرب والمسلمين، والساعيين إلى تدمير المنطقة وإذلال شعوبها واتخاذ أرضهم وثرواتهم جسرا للسيطرة على العالمِِ لذلك عم الحزن والأسى الأمة العربية والإسلامية اثر سقوط بغداد وأسر صدام، والطريقة المهينة التي عرضت فيها أميركا صورهِ لقد ضربت أميركا عرض الحائط بجميع الأعراف والقوانين الدولية التي تحرم نشر صور الأسرى وهم أذلاء مهانون لتبلغ رسالة إلى حكام المنطقة وشعوبها وسائر دول العالم مفادها ان هذا مصير من يقف في وجه المصالح الأميركية، حتى لو كان في الأصل أحد عملائهاِ فالمطلوب من الجميع استيعاب تلك الرسالةِ  وقد يكون الرئيس الليبي من أوائل من استوعب تلك الرسالة، فأعلن الخضوع والاستسلام للإرادة الأميركيةِ وعلق جاك سترو على ذلك بقوله: 'ان الحرب على العراق وسقوط نظام صدام وضعا دول المنطقة أمام خيارين: الخيار العراقي الذي قاوم واستكبر فكان جزاؤه ما أصابه من دمار، والخيار الليبي الذي أعلن استعداده للتفاهم مع واشنطن ولندن' وبعث باول رسالة إلى الرئيس السوري يطالبه ان يحذو حذو القذافي وينفذ الأوامر الأميركيةِ وفرح حكام المنطقة المساندون للعدوان وازدادوا ثقة وايمانا بسياساتهم، التي ستجر الأمة الى مصيرها المهلك والمخيف، كذلك فرح عملاء أميركا من النخب العربية فكتبوا مقالات تشمت بهزيمة أمتهم ويفتخرون بانتصار أعدائهاِ وبمقارنة هذه المواقف بموقف الفاتيكان الذي أعلن ان عرض صور صدام وهو في تلك المهانة إهدار لحقوق الإنسان وانتهاك للقوانين الدولية التي تحرم ذلكِ ووقف مثل هذا الموقف كل انسان محب للحرية والعدالة، ومدافع عن حقوق الانسان وكرامتهِ وكل انسان عربي مسلم خائف على مصير أمته وهو يتمعن في أهداف المعتدينِ وبمقارنة هذه المواقف يتجلى لنا بكل وضوح أهم عوامل ضعف هذه الأمة وانحدارهاِ  ويصور الكاتب شارلس كراوثهامر Charles Krauthhammer في مقال نشره في 'واشنطن بوست' بعد أسر صدام، مغزى اليمين الأميركي من اسر صدام ونشر صوره بقوله: للعراقيين طريقتهم الخاصة في التعامل مع الحاكم المهزوم، ففي 58 قبض الجمهور على نوري السعيد فقتلوه وجروه بالشوارعِ أما نحن الأميركيين فقد عرضنا صدام أسد دجلة وصلاح الدين العرب مستسلما في مهانة لطبيب يفحص أسنان ويفلي القمل عن رأسهِ فلم يكن اعتقاله هو المهم، بل تحطيم أسطورته وأسطورة فكرة القومية العربية، من خلال إظهار أحد زعماء القومية العربية في صورة الجبانِ لقد تلقت هذه القومية ضربة قاسية في هزيمة 67 وسقوط بغدادِ ثم جاءت المقاومة العراقية، وثارت شكوك في أميركا في ان يكون قد رتب لهذه المقاومة، فانسحب من بغداد ليستدرج الأميركان ثم يضربهم داخل العراق، فإذا بهم يجرونه من جحره أشعث بلا كرامة رافعا يده في استسلام مهينِ إذا المقصود إذلال العرب والمسلمينِ  ومن الواضح ان أميركا تعارض محاكمته أمام محكمة دولية علنية، تتميز بالحياد والشرعية وتتوافر فيها المهارات والخبرات والقدرة على جمع الأدلة واستدعاء الشهود، وتفضل محاكمته أمام محكمة عراقية باشراف مجلس الحكم المعين من قبلها، لاحتواء المحكمة وتوجيه وقائعها بحسب الرغبة الأميركية، لتفادي الكشف عن أسرار العلاقة الخاصة التي جمعت بين أميركا وصدام بدءا من تقديم المساعدة له ابان الانقلاب العسكري الذي أتى به، أو فيما يتعلق بتزويده بالأسلحة والاستخبارات لتحريضه على شن حرب على ايران أو تشجيعه على غزو الكويت، ومساعدته في سحق انتفاضة الجنوب بعد تحرير الكويت، والدور الذي لعبته الشركات الأميركية في تزويده بالعناصر التي ساعدت في بناء الأسلحة الكيماوية والبيولوجيةِ ولعل هذا يفسر لنا الدوافع الحقيقية التي دفعت مجموعة من المخابرات الأميركية لتحتل مكتب رئيس مجلس الأمن في 12/12/2002 بعد دقائق من وصول تقرير العراق المتصل بما لديه من أسلحة دمار شامل، وأصرت تلك المجموعة على استلام نسخ ذلك التقرير قبل ان يطلع عليها أحدِ ولم تخرج تلك المجموعة إلا وبحوزتها النسخ الثلاث، ثم أعيدت في اليوم الثاني بعد ان حذفت أجزاء كبيرة منهاِ وكان الغرض من هذا الحذف والتلاعب اخفاء دور الشركات الأميركية التي باعت العراق ما ساعده في بناء أسلحة الدمار الشامل، وان عددا من بين أعضاء تلك الشركات شخصيات من صناع السياسة الراهنة، مثل: تشيني ورامسفيلد وبيرل، فكان الهدف طمس هذه الحقيقةِ  إذا، قد لا تسمح أميركا بمحاكمة صدام محاكمة نزيهة وعادلة، وإذا أردنا محاكمة صدام، فمن ذا الذي يستطيع ان يحاكم الرئيس بوش على الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكب منها المزيد في حق العرب والمسلمين؟ فإذا كان اليمين الأميركي قد خطط للاستيلاء على أرض العرب والمسلمين منذ نهاية الحرب الباردة، فإنه منذ استلامه الحكم وهو يسعى لتنفيذ هذا المخطط، أي قبل أحداث ال 11/9، كما يؤكد بالوثائق وزير الخزانة الأميركي المستقيلِ فتحت ستار الحرب على الارهاب ونشر الديموقراطية، قاد حملة شرسة عسكرية وثقافية واعلامية ضد العرب والمسلمين، فأعد جيشا قويا مزودا بالأسلحة الخطيرة والفتاكة ليغزو فيه الأرض العربية، ويساند ذلك الجيش إعلام مضلل أشد خطورة من ذلك الجيش، غزا أفغانستان وقتل آلاف الأبرياء، قتل السجناء في مزار شريف، وعذب المعتقلين في غوانتانامو وانتهك حقوقهم وأهدر كرامتهم الانسانية، ثم غزا العراق واحتل أرضه وقتل آلاف الأبرياء من شعبه واعتقل الآلاف ودمر بنيته التحتية وأضعف إمكاناته العلمية والثقافية، ألغى الجيش والقانون وسلطة الدولة وشجع على انفلات الأمن والفوضى، مزق وحدة العراق وأشعل فيه الفتن الطائفية والقبلية، وما زال يكذب ويدعي انه سيجعل العراق نموذجا يحتذىِ  فهل ما يحدث في العراق من فوضى وارهاب يرجعان الى ما يدعيه البعض بأن أميركا قد خططت للحرب لكنها لم تخطط للسلام أو لاستراتيجية ما بعد الحرب؟ أي انها بالفعل فقدت السيطرة على زمام الأمور وليس بإمكانها ضبط الأمن؟ أم ان ما يحدث هو المخطط الحقيقي الرامي الى تدمير العراق وإضعاف امكاناته المادية والثقافية والعلمية، وإرهاق شعبه وجعلهم يعيشون في دوامات من العنف والارهاب والأزمات النفسية والعقلية تجعلهم يتقبلون الحلول المعدة من اليمين الأميركي والتي ستعرض عليهم في يونيو المقبل، مهما كانت خطورة تلك الحلول على الوطن والمواطن ومستقبل الأجيال القادمة، أو على مصالح العرب والمسلمين، خلاصا من المعاناة والمصائب التي يكابدونها، فقد لا يكون أمامهم خيار سوى تقبل تلك الحلول؟  إذا حدث ذلك، فمن سيحاكم الحكام والنخب العربية الذين ساعدوا المعتدين في تحقيق أهدافهم الشريرة، فساهموا في تضليل الإنسان العربي وتسميم أفكاره، مصورين له ان جيش الاحتلال جاء لانقاذ الشعب العراقي ومنحه الحرية، متبنين القيم والمفاهيم والطروحات الأميركية، ونادوا بإدخالها المناهج الدراسية ليتقبلها الإنسان العربي وتصبح جزءا من شخصيته وكيانه، هادفين من وراء ذلك إلى اخفاء مظاهر الشر والحقد والكراهية التي يحملها اليمين الأميركي للعرب والمسلمين إمعانا في تضليل أمتهم وخداعها؟  وبعد تدمير العراق وتفكيكه تقدم واشنطن للمنطقة مشروعا أسمته 'مشروع الشرق الأوسط الكبير' الذي ستناقشه مع الاتحاد الأوروبي والدول الصناعية الثماني في يونيو المقبل، مدعية انها ستدخل إصلاحات سياسية واقتصادية في المنطقة، وسرعان ما انبرى عملاؤها للترويج لهذا المشروع وتسويقه، ظنا منهم ان شعوب المنطقة هم مجموعة من السذج الأغبياء والمغفلين، وأن من الممكن خداعهم وتضليلهم بذلك الاعلام المأجور، متجاهلين ان المنطقة مليئة بالشخصيات الذكية والمخلصة، التي ليس لديها استعداد ان تبيع كرامة الوطن والمواطن من أجل مصالحها الشخصية، ومن حسن حظ الوطن العربي ان هذه الشخصيات هي التي تشكل الغالبية في الوطن العربي، وان هذه المجموعة مدركة ان تاريخ المنطقة مليء بالخبرة والتجارب، التي يمكن الاستفادة منها في مجال الاصلاح، وتدرك مدى حاجة المنطقة للاصلاح، ونوع الاصلاح الذي تحتاجه، والطرق والأساليب المناسبة للاصلاح، وأهم العراقيل التي تقف في طريق الاصلاحِ  ان هذه المجموعة تدرك ان أميركا لم تأت الى المنطقة من أجل إصلاحها، بل جاءت من أجل الهيمنة والسيطرة، لذا فإنها لن تحقق هذه الأهداف إلا بإحداث مزيد من التدمير والاضرار، تماما كما فعلت في العراق، عندما جردته من جيشه وكرامته ونشرت فيه الفوضى والارهاب، انها تسعى من وراء هذا المشروع الى إكمال مخططها الصهيوني الرامي الى تجريد الدول العربية من جيوشها وكرامتها لتصبح وطنا آمنا ولقمة سائغة لحليفتها اسرائيل التي تزودها بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة وتشجعها على ذبح الشعب الفلسطينيِ فكيف يمكن التصدي لهذا المشروع الخطير وإنقاذ المنطقة منه، وقد يكون ما قام به الرئيس مبارك والأمير عبدالله وبدعم سوري من الأمور الجيدة، حيث أ
 6/3/2004
 
 |